"الأرز المتعفّن".. هل تدفع الهند ثمن قرار منع التصدير؟

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"الأرز المتعفّن".. هل تدفع الهند ثمن قرار منع التصدير؟, اليوم الثلاثاء 15 أكتوبر 2024 03:24 مساءً

تراجعت أسعار الأرز العالمية بأكبر وتيرة لها منذ 16 عاماً خلال شهر أكتوبر 2024، وذلك على إثر إتخاذ الهند، خطوات لاستئناف صادرات هذه السلعة الغذائية الرئيسية، بعد القيود التي بدأت بفرضها على صادرات الأرز في 2023، ما ساهم في تهدئة مخاوف المتعاملين في الأسواق تجاه شح المعروض.

وتراوح سعر الأرز الأبيض التايلاندي ــ وهو معيار دولي لقياس أسعار الأرز ــ حول 570 دولاراً للطن المتري في أواخر شهر سبتمبر 2024، ولكن الأسعار هبطت بنسبة 11 في المئة إلى نحو 509 دولارات للطن في الثاني من أكتوبر 2024 بعد أن خففت الهند قيودها على التصدير، حيث تعد هذه أكبر وتيرة لانخفاض أسعار الأرز منذ بدء رصد البيانات في مايو 2008، بحسب بيانات نقلتها "بلومبرغ" عن جمعية مُصدري الأرز في تايلاند.

وتعتبر الهند أكبر مُصدر للأرز في العالم، وفي العام الماضي صدّرت 17.7 مليون طن من هذه السلعة الغذائية إلى 140 دولة، حيث يهيمن الأرز الأبيض الهندي الذي أوقفت الهند تصديره في 2023 على نحو 70 بالمئة من التجارة العالمية.

آفة الأرز المُتعفّن

لكن الآن وبعد مرور عام على قرار حظر تصدير بعض أنواع الأرز الهندي، تبين أن هذا القرار تسبب بضرر كبير للمزارعين في البلاد، الذين باتوا يعانون من مشكلة تعفّن جزء كبير من المحاصيل المكدسة في المطاحن والمزارع.

فبحسب تقرير أعدته "بلومبرغ" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يوجد في ولاية تشاتيسجار الهندية وحدها حوالي 3 ملايين طن متري من الأرز المخزن غير المطحون من حصاد العام الماضي، بعضها متعفّن أو موبوء بالحشرات أو فاسد بسبب الرياح الموسمية. 

ومع بلوغ مخزونات الهند من الأرز مستويات فائضة قياسية، انتشرت صور الأرز المُتعفّن على وسائل التواصل الاجتماعي في البلاد، ما أثار سخط المزارعين من السياسة الغذائية، التي اعتمدها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في وقت يتحضر فيه المزارعون لحصد المحاصيل الواعدة هذا العام.

وفي مايو 2022، بدأ رئيس الوزراء ناريندرا مودي، بفرض قيود على صادرات الغذاء، بهدف إبقاء الأسعار المحلية تحت السيطرة وضمان إمداد ثابت لبرنامج يوفر الحبوب المجانية لـ 800 مليون شخص، فقام في البداية بحظر شحنات القمح، ثم أضاف قيوداً على تصدير الأرز الأبيض غير البسمتي في يوليو 2023، معتبراً هذه الخطوات بمثابة فوز للمنتجين في أكثر دول العالم اكتظاظاً بالسكان.

ضرر لم يكن له داع

وقد أدت تحركات الهند حينها إلى إرباك الأسواق الدولية، مما أثر على المشترين في مختلف أنحاء العالم، فارتفاع سعر طن الأرز الأبيض إلى نحو 570 دولاراً في الأشهر الأخيرة، إضافة إلى قيود التصدير، كلها عوامل تسببت بانخفاض صادرات الأرز الهندي، بنسبة 24 في المئة خلال الفترة الممتدة من أبريل إلى أغسطس 2024، إلى 6.4 مليون طن، مقارنة بالفترة نفسها من العام 2023، وهو ما أضر بالمزارعين دون داع، مع وجود مخزونات متضخمة في البلاد.

وبحسب تقرير "بلومبرغ" فإن تحرك حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بتخفيف قيود تصدير الأرز، يأتي قبل موسم حصاد ناجح هذا العام وأيضاً قبل الانتخابات المحلية، المزمع إجراؤها في أكتوبر ونوفمبر 2024، حيث أجرت الحكومة تعديلات أخرى لاسترضاء المزارعين الذين يشعرون بالسخط، بما في ذلك خفض الضرائب على تصدير البصل، وإزالة الحد الأدنى لسعر تصدير الأرز البسمتي، في حين تم إبقاء رسوم التصدير على الأرز المسلوق والقيود المفروضة على صادرات القمح والسكر.

التخلص من الفائض

ومع بدء تعفّن مخزونات الأرز وللتخلّص من بعض الفائض، قررت الحكومة الهندية بيع ما يصل إلى 2.3 مليون طن من الأرز من احتياطيات الدولة إلى منتجي الإيثانول، وهي ممارسة مثيرة للجدل، في بلد يحتل المرتبة 111 من بين 125 دولة أحصيت على مؤشر الجوع العالمي العام الماضي، حيث يقول سراج حسين، وزير الزراعة السابق والرئيس السابق لمؤسسة الغذاء الهندية، إن استخدام الأرز لإنتاج الإيثانول هو اختيار سياسي سيئ، معتبراً أن الأمن الغذائي للهند وحلفائها يجب أن يحظى بالأولوية.

وبلغت مخزونات الأرز التي تحتفظ بها مؤسسة الغذاء الهندية (FCI)، التي تشتري الحبوب من المزارعين بأسعار مضمونة وتوزعها على الفقراء مجاناً، نحو 32 مليون طن في الأول من سبتمبر 2024، بزيادة نسبتها 39 في المئة عن العام السابق.

سبب تعفّن الأرز في الهند

لطالما كان افتقار الهند إلى البنية التحتية الأساسية مشكلة تساهم في إهدار الغذاء في البلاد، وهذا الأمر ينطبق على تخزين الأرز هناك، حيث كان يتم ذلك في حقول مفتوحة بدلاً من المستودعات أو الصوامع، في حين أن المساحة المحدودة لمستودعات للأرز، جعلت المخزونات متكدسة بشكل كثيف جداً ما أحدث اختناقات زادت من خطر تلف المزيد من الأرز الخام.

ويقول المهندس الزراعي أحمد القاسم، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن تعفن الأرز بعد الحصاد يمثل تحدياً كبيراً يؤثر على جودته وسلامته، وهو يحدث نتيجة لتفاعل عدة عوامل، أبرزها الرطوبة الزائدة، درجات الحرارة المرتفعة، والتخزين غير المناسب، مشيراً إلى أن الأرز يتطلب مستويات رطوبة منخفضة أثناء التخزين، حيث أن ارتفاع نسبة الرطوبة، خاصة فوق مستوى 14 في المئة، يمكن أن يؤدي إلى نمو الفطريات والبكتيريا، مما يسهل عملية التعفن، كما أن التخزين في درجات حرارة مرتفعة، خاصة فوق 25 درجة مئوية، يعزز من النشاط الميكروبي ويزيد من احتمالية التعفن، في حين أن بقايا المحاصيل السابقة أو الحشرات أو التخزين في حاويات غير ملائمة يمكن أن تؤدي إلى انتشار العوامل المسببة للتعفن.

وبحسب القاسم فإنه لتجنب تعفّن الأرز، يُفضل تخزينه في أماكن باردة وجافة، بعيداً عن الشمس المباشرة أو أي مصادر حرارة، وقبل التخزين يجب تطهير الحاويات والمعدات المستخدمة في النقل لتجنب التلوث المتبادل، كما أنه يجب تجفيف الأرز جيداً قبل وضعه في المستودعات، مشدداً على أنه يجب على مخازن الأرز أن تكون مصممة بشكل يضمن التحكم في الرطوبة، ودرجة الحرارة ومزودة بمواد عازلة، كما يمكن تزويد المخازن بأنظمة ذكية تحتوي على أجهزة استشعار، لمراقبة الرطوبة ودرجة الحرارة، مما يتيح التحكم في الظروف البيئية بشكل دقيق.

الهند تخاطر بسمعتها

ويؤكد القاسم أن التعفّن يؤدي إلى خسائر اقتصادية جسيمة وإذا ما اطلعنا على وضع الهند في هذا المجال لرأينا أن تخزين الأرز كان يتم باستهتار في المدن الريفية، عبر وضع أكياس مكدسة ومغطاة بألواح بلاستيكية إلى جانب المواشي، وهو ما جعل بعضها موبوء بالحشرات أو فاسد بسبب التعفّن، معتبراً أن افتقار الهند إلى البنية التحتية اللازمة لتحزين الحبوب، يجعل البلاد تخاطر بسمعتها في هذه الصناعة وتحديداً في مجال الأرز.

من جهته يقول محمد الدسوقي وهو تاجر ومستورد حبوب، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ما يحصل لمخزونات الأرز في الهند كان يمكن تجنبه عبر تخفيف القيود على التصدير قبل فترة من الزمن وليس الإنتظار حتى نهاية شهر سبتمبر للقيام بذلك، فالفائض لم يظهر فجأة والدلالات التي تُظهر أن البلاد تستعد لموسم حصاد ممتاز من الأرز كانت واضحة وكثيرة، وبالتالي كان يجب على الحكومة الهندية التقاط هذه الإشارة وتخفيف القيود قبل فترة من الزمن، مشيراً إلى أن ذلك كان سيؤدي إلى انخفاض الأسعار من أعلى مستوياتها، ما سيساعد المزارعين على بيع المحاصيل والتخلص من المحصول القديم بدلاً من رميه بسبب التعفّن أو بيعه لمنتجي "الإيثانول".

ويكشف الدسوقي أن قرار حظر تصدير بعض أنواع الأرز من الهند، كان في بادئ الأمر لحماية الأمن الغذائي في البلاد، حيث أرادت الحكومة الهندية تخزين محاصيل تكفيها لمدة عامين، مع اعتقادها أن الموسم الجديد قد لا يحمل معه كميات كافية، ولكنها وجدت نفسها في نهاية 2024 أمام سيناريو لم يكن بالحسبان، فالمحاصيل الجديدة ستفوق التوقعات والمحزون القديم بدأ يضربه التعفّن، علماً أنها كانت تدرك جيداً أن البلاد لا تملك المستودعات ولا المطاحن ولا المخازن المناسبة لتخزين كميات هائلة من الأرز.

تراجع في أسعار الأرز

ويتوقع الدسوقي أن يشهد العالم في الفترة المقبلة انخفاضات كبيرة في أسعار الأرز، حيث سيكون هناك فائض كبير في المعروض، فالهند ليست الوحيدة التي قامت برفع القيود عن تصدير الأرز، بل سبقتها إلى ذلك ايضاً باكستان، مشيراً إلى أنه في حال عاد ترامب إلى البيت الأبيض، فقد يشهد العالم انخفاضاً في أسعار الحبوب عامة خلال عام 2025 وذلك في حال تمكن من إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، ما سيعيد هاتين الدولتين إلى أسواق الحبوب العالمية بشكل يخلق حالة من الاستقرار.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق