الصدفة تحقق حلم نتنياهو والسنوار!

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

احدث الاخبار من خلال موقع الطبعة الاولي: الصدفة تحقق حلم نتنياهو والسنوار!, اليوم الجمعة 18 أكتوبر 2024 06:56 مساءً

الجمعة 18/أكتوبر/2024 - 06:48 م 10/18/2024 6:48:32 PM

مات يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحماس، شهيدًا في أرض المعركة بقطاع غزة، كما كان يتمنى.. مات مصادفة، وهو يقاوم في اشتباك مباشر مع جنود الاحتلال، ولم يمت داخل نفق تحت الأرض، طالته قنابل طائرات إسرائيل بقنابل المائتي رطل، بعد معلومات استخبارية عن مكان تواجده.. مات وإسرائيل على أمل أن يُحدث استشهاده (تغييرًا يؤدي إلى واقع جديد في غزة من دون حماس ومن دون سيطرة إيرانية)، كما يتمنى وزير الخارجية الإسرائيلي، بعد أن أعلن الجيش أنه تمكن من القضاء على شخصين من حركة حماس، في اشتباك معهما خلال عملية عسكرية في تل السلطان برفح، اتضح أن أحدهما هو زعيم حركة حماس في غزة، يحيى السنوار، بعد طابقت تل أبيب الحمض النووي للسنوار مع الجثة التي حصلت عليها خلال القتال.. وكانت إسرائيل قد حصلت على الحمض النووي للسنوار خلال فترة اعتقاله في السجون الإسرائيلية قبل إطلاق سراحه، وفقًا لصفقة تبادل للأسرى عام 2011 مع الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط.
وكشف فيديو نشره الجيش الإسرائيلي، اللحظات الأخيرة قبل مقتل السنوار، حيث ظهر ملثمًا وهو يجلس على أريكة، ويحاول إسقاط كاميرا طائرة بدون طيار صغيرة، بعدما أصيب بجروح خطيرة، جراء قصف المنزل الذي كان يتواجد به بقذيفة دبابة، بعد ذلك أرسلت قوة مشاة إسرائيلية طائرة مسيرة لمحاولة معرفة من كان داخل المنزل.. وحسب الفيديو الذي التقطته الطائرة الدرون، فقد كان السنوار يحاول إسقاط هذه الطائرة وضربها بواسطة عصا.. وظهر وهو يجلس على أريكة ويده تنزف بغزارة ومصابة بجروح خطيرة.. بعدها، أعلن الجيش الإسرائيلي، مساء الخميس، رسميًا مقتل زعيم حركة حماس، يحيى السنوار، في مواجهة مع الجيش، محققًا أمنيته بالموت في ميدان القتال.
مات السنوار وقد تحقق ما كانت تأمل حماس أن يحدث بعد السابع من أكتوبر، وما حلم به زعيم حماس، السنوار، عندما خطط للهجوم في أكتوبر، بخداع إستراتيجي مذهل، ورغبة في إشراك إيران ووكيلها اللبناني حزب الله في حرب كان يعرف أن إسرائيل تتفوق عسكريًا، ولكنه أراد مقاومتها، وإصابتها بالوجع والقلق، في معارك تستنزف راحتها، لعلها ترحل يومًا عن الأرض السليبة.. وفي إطار طلبه من إيران الحصول على مساعدات عام 2021، وعد السنوار وغيره من قادة حماس طهران، (نحن على ثقة من أننا وأنتم، بحلول نهاية هذين العامين، سنقتلع هذا الكيان الوحشي)، أي إسرائيل، وفقًا لرسالة نقلتها صحيفة واشنطن بوست، (لن نضيع دقيقة أو فلسًا، ما لم يكن ذلك كافيًا لتحقيق هذا الهدف المقدس).. أراد السنوار أن يخلق كارثة ساحقة لإسرائيل، لدرجة أن تتحول إلى حرب تشمل إيران ووكلائها في لبنان وسوريا والضفة الغربية واليمن والعراق.. ولإخفاء ما أسماه مسئولو حماس (مشروعنا الكبير)، صاغوا حملة معقدة من الخداع استمرت لسنوات.
حققت حماس مفاجأة استراتيجية من خلال حملة (لإبقاء العدو مقتنعًا بأن حماس في غزة تريد الهدوء)، وفقًا لمذكرة داخلية نقلتها صحيفة التايمز.. وكان هدف السنوار هو إقناع إسرائيل بأن (غزة تريد الحياة والنمو الاقتصادي).. وبذلك، هدَّأت حماس أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الغارقة في ضباب عميق، لدرجة أنه حتى عندما كان مقاتلوها يشاركون في أنشطة غير عادية، في وقت مبكر من صباح يوم السابع من أكتوبر، أكد محللو الاستخبارات الإسرائيلية أن التقديرات (تشير إلى أن حماس غير مهتمة بالتصعيد والدخول في مواجهة في الوقت الحالي).. وبعد فترة وجيزة، قتلت ألف ومائتي إسرائيلي.. وبينما كان السنوار يستعد لهجومه المتسلل، كان يعلم أن إسرائيل ستشن حملة انتقامية قد تدمر غزة.
●●●
أثار مقتل السنوار ردود فعل عالمية، وخصوصًا داخل الولايات المتحدة وإسرائيل.. إذ قال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، (هذا يوم جيد لإسرائيل والولايات المتحدة والعالم).. ووصف بايدن اليوم بأنه يوم ارتياح، ومماثل للمشاهد التي شهدتها مختلف أنحاء الولايات المتحدة بعد مقتل أسامة بن لادن عام 2011.. وأضاف أن السنوار، بصفته زعيم جماعة حماس، كان مسئولًا عن مقتل الآلاف من الإسرائيليين والفلسطينيين والأمريكيين، والمواطنين من أكثر من ثلاثين دولة، وكان العقل المدبر لهجمات السابع من أكتوبر.. وبعد وقت قصير من هذا اليوم، يقول بايدن، إنه وجه أفراد العمليات الخاصة ومحترفي الاستخبارات الأمريكية، للعمل جنبًا إلى جنب مع نظرائهم الإسرائيليين، للمساعدة في تحديد مكان السنوار وغيره من قادة حماس المختبئين في غزة.. مؤكدًا أن إسرائيل لها كل الحق في القضاء على القيادة والهيكل العسكري لحركة حماس، وقال إن حماس لم تعد قادرة على تنفيذ عملية أكتوبر أخرى!!.
وأكد بايدن إنه تحدث مع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ومسئولين إسرائيليين آخرين (لتهنئتهم)، ومناقشة المسار لإعادة الرهائن إلى ديارهم وإنهاء هذه الحرب، (مرة واحدة وإلى الأبد).. مشيرًا إلى أن (الآن هناك فرصة لليوم التالي في غزة بدون حماس في السلطة، وللتوصل إلى تسوية سياسية توفر مستقبلًا أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء)، إذ (كان يحيى السنوار عقبة لا يمكن التغلب عليها أمام تحقيق كل هذه الأهداف.. هذه العقبة لم تعد موجودة.. لكن لا يزال أمامنا الكثير من العمل).. دون أن يدري بايدن، أن العقبة الحقيقة اسمها نتنياهو، وأنه لا سبيل في وجوده إلى تحقيق ما يصبو إليه بايدن.
ورددت كامالا هاريس كلام بايدن، قائلة إن العالم أجمع أصبح أفضل حالًا بدون السنوار، (لقد كانت يداه ملطخة بالدماء الأمريكية)، في إشارة إلى أن سبعة أمريكيين وقعوا في قبضة حماس، (اليوم، لا يسعني إلا أن آمل أن تشعر أسر ضحايا حماس بقدر من الارتياح).. وأشادت بعمل عناصر العمليات الخاصة والاستخبارات الأمريكية في العمل الوثيق مع نظرائهم الإسرائيليين.. وأكدت مجددًا على موقف بايدن في الدعوة إلى أن تكون هذه اللحظة، فرصة لإنهاء الحرب في غزة بطريقة تضمن أمن إسرائيل، وإطلاق سراح الرهائن، وتنتهي المعاناة في غزة، ويتمكن الشعب الفلسطيني من إدراك حقه في الكرامة والأمن والحرية والنفس، (اليوم، هناك تقدم واضح نحو تحقيق هذا الهدف)، الذي أراه أنا سرابًا، بالنظر إلى سعي نتنياهو نحو البقاء في الحكم، مادامت هناك حروبًا دائرة.
●●●
أسعد الناس بهذه اللحظة، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي تحقق حلمه، وأكد أن اغتيال زعيم حركة حماس، يحيى السنوار، يمثل نهاية حكم حماس في قطاع غزة، ويفتح الباب أمام إمكانية إنهاء المحور الذي تقوده إيران، ويخلق خيارات جديدة لتحرير الرهائن المتبقين.. وقال بعد وقت قصير من تأكيد الجيش الإسرائيلي نجاحه في قتل السنوار، (حماس لن تحكم غزة بعد الآن.. هذه بداية اليوم الذي يلي حماس).. وفي نداء وجهه إلى الفلسطينيين في القطاع، قال، (هذه فرصة لكم، سكان غزة، للتحرر أخيرًا من ظلم حماس!!).. وفي بيانه العلني، الذي أصدره على شريط فيديو، وجه نتنياهو نداءً مباشرًا إلى مقاتلي حماس، (قادتكم يفرون وسيتم القضاء عليهم).. ولا أعرف أي نوع من الهروب، قام به قادة حماس، والسنوار قُتل في معركة ملحمية في قطاع غزة!!.. وقال نتنياهو، إن أولئك الذين (يسلمون سلاحهم ويعيدون رهائننا) سيُسمح لهم (بالخروج والعيش).. وكأن كلماته تلمح إلى خطة تسمح بنفي هؤلاء المقاتلين، مقابل إطلاق سراح الرهائن.. كما أصدر نتنياهو تحذيرًا صارمًا لهم، (من يؤذي رهائننا.. دماؤهم على رأسه.. سنحاسبه.. عودة رهائننا هي فرصة لتحقيق كافة أهدافنا وتقرب نهاية الحرب).
وزعم نتنياهو أن اغتيال السنوار في رفح، أثبت حكمة الحملة العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي في غزة، وخصوصًا إصراره على أن يتمكن الجيش من العمل في تلك المنطقة من القطاع، و(الآن أصبح واضحًا للجميع في إسرائيل وفي العالم، لماذا أصررنا على عدم إنهاء الحرب، ولماذا أصررنا على مواجهة كل الضغوط لدخول رفح، المعقل المحصن لحماس، حيث اختبأ السنوار والعديد من القتلة).. وقال إن السنوار ارتكب (أفظع مذبحة في تاريخ أمتنا منذ الهولوكوست، وهو القاتل الجماعي الذي قتل الآلاف من الإسرائيليين واختطف المئات من مواطنينا).. ونحن بدورنا نتساءل، عمن قتل عشرات آلاف الفلسطينيين، وثلثيهم من الأطفال والنساء.. ومن عمد إلى تجويع شعب أعزل، ودمر مصادر مياهه ومستشفياته، لحرمان أفراده من العلاج، ومداواة جراح المصابين، الذي تجاوز عددهم المائة ألف.. أليس أنت يا نتنياهو، وقادة جيشك وأعضاء يمينك المتطرف ومستوطنيك المجرمين، لتأتي فتحذر شعبك، من أن حربكم ضد حماس وغيرها من وكلاء إيران (لم تنته بعد)، وأن (أيامًا صعبة تنتظركم)، وهي صعبة عللليكككم بالفعل، وتأمل أنك في النهاية (سوف ننتصر)!!.
●●●
وتشكل وفاة يحيى السنوار ضربة قوية لإيران ومحور المقاومة التابع لها في المنطقة.. لقد دعمت الجمهورية الإسلامية حماس لسنوات عديدة.. وعندما تولى السنوار القيادة، كان ذلك بمثابة نقطة تحول كبرى بالنسبة لإيران.. وتحت قيادة السنوار وتوجيهاته على مدى العقد الماضي، أصبحت حماس جماعة كبرى.. استثمرت إيران فيها بشكل كبير.. فقد ساعدتها في الحصول على تكنولوجيا الصواريخ بعيدة المدى، كما شجعتها على تطوير الطائرات بدون طيار وغيرها من التكنولوجيا الجديدة.. ودرست الحركة إسرائيل بعناية.. وأصبحت حماس تشكل خطرًا هائلًا على إسرائيل بحلول عام 2023، أكبر مما كانت عليه في الانتفاضة الثانية ـ 2000: 2005 ـ وكان هذا مزيجًا من الدعم الإيراني وتفاني السنوار.. وبفضل الدعم من تركيا وقطر وروسيا، شعرت حماس أن السابع من أكتوبر قد يُغير المنطقة.. وهو ما يحدث على الأرض.
لقد عملت إيران مع حماس لربطها بحربها متعددة الجبهات ضد إسرائيل.. فقد أرادت أن تنسق حماس مع حزب الله والحوثيين.. كما أرادت إيران أن تعيد الميليشيات العراقية للمساعدة ضد الدولة العبرية.. وكانت هذه حربًا، أرادت طهران شنها لاستنزاف قدرات إسرائيل التكنولوجية.. إذ نجحت إيران في إقناع حزب الله بمهاجمة إسرائيل في الثامن من أكتوبر، بعد يوم واحد من هجوم حماس، كما استعانت بالحوثيين لمهاجمة إسرائيل أيضًا.. وكانت هذه هي الخطة التي انتهجتها إيران.. وكان السنوار جوهرة مهمة في تاجها، من حيث أصول إيران في المنطقة ومحورها، الذي يضم الحوثيين وحزب الله والميليشيات في العراق.
لقد فقدت طهرات السنوار ونصر الله.. وكانا شخصيتين رئيسيتين في مجموعتين قويتين، كانتا تلحقان الضرر بإسرائيل.. طوال معظم العام، شعرت إيران بأنها منتصرة.. لقد ساعدت في هجوم السابع من أكتوبر، وأفرغت الحدود الشمالية لإسرائيل من سكانها.. ونفذت هجمات مباشرة بطائرات بدون طيار وصواريخ باليستية بعيدة المدى في أبريل وأوائل أكتوبر الحالي.. كما استهدفت الميليشيات في العراق إسرائيل بطائرات بدون طيار.. وكان الحوثيون يعيثون في البحر الأحمر، حتى أنهم استهدفوا تل أبيب بطائرة بدون طيار وصواريخ، غير مرة.
●●●
من الغباء أن يعتقد البعض، أن نهاية حماس في مقتل السنوار.. فمنذ استشهاد الشيخ أحمد ياسين، مؤسس الحركة، والقيادات تترى على حماس، وكل من يأتي يكون أشد إصرارًا على مقاومة الاحتلال، وبكل الوسائل المتاحة.. ومن قبل هؤلاء، إغتيال الشيخ عز الدين القسام، في مواجهته للاحتلال البريطاني لفلسطين، عام 1935.. وعلى اسمه، تأسست (كتائب القسام) الجناح العسكري لحماس، التي تقاتل إسرائيل الآن.. ومع ذلك، تكتب الصحفية الإسرائيلية، زفيكا كلاين، الآن، بعد أن أعلنت التقارير عن رحيل السنوار، نجد أنفسنا في لحظة من الفرص والفوضى.. ويتعين علينا الآن أن نقرر: هل نستطيع تحويل هذا الوضع المأساوي إلى شيء تحويلي؟.. هناك اقتراح يتردد في الدوائر الأمنية، وهو اقتراح متطرف وعملي في الوقت نفسه: عرض الفرصة على مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي لمغادرة غزة.. نعم، لقد قرأت ذلك بشكل صحيح.. وتتلخص الفكرة في السماح لهؤلاء المقاتلين بمغادرة القطاع تحت إشراف دولي، وربما نقلهم إلى أماكن، مثل قطر أو تركيا أو حتى أوروبا.. وفي المقابل، يطلقون سراح الرهائن المتبقين.. ولنتأمل هنا ما حدث مع ياسر عرفات في ثمانينيات القرن العشرين، عندما نُفي إلى تونس.. قد يبدو هذا في ظاهره أمرًا معيبًا: فلماذا نسمح للعدو بالفرار؟.. ولكن الواقع أكثر تعقيدًا.. فالأمر لا يتعلق بترك المقاتلين يفلتون من العقاب؛ بل يتعلق بكسر دائرة العنف التي أحكمت قبضتها على غزة لفترة أطول مما ينبغي.. وإذا كنا نريد السلام، أو على الأقل جزءًا ضئيلًا منه، فقد نحتاج إلى فتح بعض الأبواب غير العادية.
ولنكن واقعيين ـ تستطرد زفيكا ـ إن الوضع الراهن في غزة غير قابل للاستمرار.. فهو عبارة عن مرجل من الرعب والفقر واليأس.. ومع وجود الآلاف ـ وربما عشرات الآلاف ـ من مقاتلي حماس في الأنفاق، فلا نهاية في الأفق للهجمات الصاروخية والضربات العسكرية التي لا تنتهي.. وإذا ما قدمنا لهؤلاء المقاتلين استراتيجية للخروج، فإننا نستطيع أن نزيل عقبة ضخمة في طريق السلام.. لن تتمكن غزة من إعادة البناء، طالما بقيت مخالب حماس مغروسة عميقًا في داخلها.. قد يبدو هذا الحل بعيد المنال، ولكنه حل عملي.. صحيح أن السماح للمقاتلين بالخروج أحياء قد يبدو غير منطقي، ولكن في بعض الأحيان يتعين عليك أن تخوض اللعبة على المدى البعيد.. ولن تدوم هذه الفرصة إلى الأبد.. فحماس في حالة من الفوضى.. ووفاة السنوار تترك فراغًا قياديًا كبيرًا، مما يوفر لإسرائيل أفضل فرصة لإعادة تشكيل الديناميكيات في غزة.. ومع إضعاف حماس، قد تتاح الفرصة أخيرًا لشعب غزة، الذي عانى الكثيرون منهم تحت حكمها بقدر ما عانوا من الحرب، لشيء أفضل.
هل تستمع يا رئيس الولايات المتحدة؟.. هكذا تخاطب زفيكا، جو بايدن.. ربما تكون هذه هي اللحظة المناسبة لك.. قبل انتهاء ولايتك، لديك فرصة فريدة للتوسط في صفقة لن تعيد الرهائن إلى ديارهم فحسب، بل ستعمل أيضًا على تفكيك قبضة حماس على غزة.. وقد يساعد هذا أيضًا نائبة الرئيس، كامالا هاريس، في الفوز بالانتخابات.. إنه فوز في السياسة الخارجية!.. ومن جانبها، لا تستطيع إسرائيل أن تكتفي بالجلوس مكتوفة الأيدي.. فبعد سنوات من إراقة الدماء، وإنفاق موارد لا حصر لها، قد تكون هذه هي اللحظة التي قد تغير الوضع الراهن جذريًا.. لقد قام الجيش الإسرائيلي بدوره بتوجيه الضربات العسكرية.. والآن حان الوقت للدبلوماسية لإبرام الصفقة.
ولنتحدث عن المستقبل ـ تواصل زفيكا ـ لأن المستقبل الذي لا وجود لحماس فيه، هو المستقبل الوحيد الذي يستحق أن نتصوره في غزة.. وإذا غادر هؤلاء المقاتلون غزة، فسوف نتمكن من البدء في العمل المهم، المتمثل في إعادة بناء غزة وتحويلها إلى شيء أكثر من مجرد منطقة حرب.. وسوف يصبح القطاع في النهاية مجتمعًا فعالًا، بدلًا من أن يكون مصنعًا للإرهاب.. من السهل أن نقول هذا، ولكن من الصعب أن نفعله.. ذلك أن إعادة بناء غزة سوف تتطلب الدعم الدولي، والاستثمارات الضخمة، وربما الأصعب من كل هذا، تشكيل قيادة جديدة أكثر اهتمامًا بالمدارس من إطلاق الصواريخ.. وربما تتدخل الدول السُنّية المعتدلة، التي ظلت في أغلب الأحيان على الحياد، للمساعدة في ملء الفراغ.. إن دولًا مثل المملكة العربية السعودية ومصر والأردن، قادرة على تقديم الدعم السياسي والاقتصادي، اللازمين لتعزيز الاستقرار في غزة وقدرتها على العمل.. وسوف يحتاج المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى تقديم الدعم الدبلوماسي والمالي الجاد.. ولا ينبغي لقطاع غزة أن يتحول إلى دولة إرهابية أخرى؛ بل يمكن أن يصبح مكانًا يعيش فيه الناس ويعملون ويزدهرون.. وقد نسيت زفيكا (خطة الجنرالات)، التي أطلقتها إسرائيل في شمال قطاع غزة لتهجير أهله قصريًا، باتجاه الجنوب، خطوة لطردهم نهائيًا خارج القطاع، في نكبة جديدة قد تفوق نكبة 1948.
إنني لست ساذجة ـ تقول زفيكا ـ وهذه ليست مهمة سهلة.. إن إقناع أهل غزة، الذين عاشوا تحت حكم حماس، بالثقة في القيادة الجديدة، لن يكون بالمهمة السهلة.. وماذا عن المقاتلين الذين يرفضون الرحيل؟.. سوف يظل هناك دومًا من يفضلون الاستسلام للقتال، ولابد أن تكون إسرائيل مستعدة لذلك.. ولكن دعونا نكون صادقين: إن البديل هو عدم القيام بأي شيء، وذلك يتركنا بالضبط حيث نحن الآن: في حلقة لا نهاية لها من الصواريخ والغارات الجوية وتدمير حياة الناس.. لقد شاهدنا هذا الفيلم من قبل، ونعرف كيف ينتهي.. يتعين على إسرائيل أن تظل متيقظة.. لقد كان القضاء على زعامة حماس انتصارًا هائلًا، ولكن التهديد لم ينته بعد.. ويتعين على الجيش الإسرائيلي أن يظل مستعدًا لتحييد ما تبقى من البنية الأساسية لحماس.. أليست هذه امرأة ساذجة بالفعل؟.
إننا نقف الآن عند مفترق طرق تاريخي.. فوفاة السنوار قد تقودنا، إما إلى دوامة أخرى من العنف، أو تفتح الباب أمام شيء جديد.. مستقبل لا يحكم غزة فيه الإرهاب بل الأمل.. والاختيار في أيدينا.. لقد ظللنا لسنوات طويلة عالقين في نفس الدائرة، حيث كنا نشاهد غزة تنحدر إلى مزيد من الفوضى.. ولكن اليوم لدينا الفرصة لكسر هذه الدائرة.. فبوسعنا أن نعيد الرهائن إلى ديارهم، وأن نفكك حماس، وأن نمنح أهل غزة فرصة لمستقبل يستحق القتال من أجله.. دعونا لا نضيع هذه اللحظة.. فالعالم يراقب، وغزة تنتظر شيئًا مختلفًا.. دعونا نستغل هذه الفرصة لإعادة الرهائن إلى ديارهم وإنشاء غزة جديدة، خالية من الإرهاب ومنفتحة على إمكانية السلام.. إن لم يكن الآن، فمتى؟.. والجواب عندنا، أن حماس فكرة، والأفكار لا تموت إلا بتحقيقها واقعًا على الأرض.. وحماس وأخواتها لن تنتهي، مادام الاحتلال باقيًا، ومادام حل الدولتين بعيد المنال، كما يريد نتنياهو وقبيله من المتطرفين الصهاينة. 
●●●
والآن، بعد مقتل زعيم حماس، يحيى السنوار، فإن السؤال الرئيسي هو: هل سيؤدي هذا إلى إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس؟.
هناك سببان قد يجعلان من هذه الحرب نهاية، أولهما أن السنوار كان مهندس السابع من أكتوبر، والزعيم الرئيسي المتبقي الأخير لحماس في غزة، والذي كان قادرًا على إدارة مقاومتها العسكرية، وثانيهما، أن هذه قد تكون اللحظة المناسبة لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، لإعلان (النصر)، في رأي الكاتبة الإسرائيلية، يونا جيريمي بوب.. وعلى الجانب الآخر، فإن نتائج حرب غزة ـ وأبرزها احتجاز 101 إسرائيلي أحياء وموتى ـ لا تزال قائمة، ولا يزال هزيمة حماس كقوة سياسية حاكمة في غزة سؤالًا مفتوحًا، وكانت هناك دائمًا أسئلة حول، لماذا ومتى يريد نتنياهو إنهاء الحرب أو تمديدها؟.
وإذا نظرنا إلى كل من هذه العناصر بعناية أكبر، فمن المذهل أنه لا توجد تقارير حتى الآن تفيد بأن السنوار قد قتل أي رهائن أثناء محاصرته من قبل قوات الجيش الإسرائيلي.. وهذا أمر مذهل، لأن الاستخبارات الإسرائيلية كانت تروج طوال فترة الحرب، أنه أحاط نفسه بالرهائن.. ويعتقد البعض، أن العسكريين كانوا يعرفون في بعض الأحيان مكان وجوده، وامتنعوا عن قتله لأن الرهائن كانوا يحيطون به.. وقال كثيرون، إن هذا هو السبب الذي جعله وحده يبقى على قيد الحياة لفترة طويلة، بينما قُتل جميع قادته الكبار تقريبًا.. ولم تدرك الكاتبة أن رئيس وزرائها كاذب، وأن قادة جيشها أكثر كذبًا فيما يتعلق بتفاصيل عملياته في غزة.. ومع ذلك، فهي تذهب إلى أن أحد التفسيرات المحتملة ـ إذا لم يكن هناك رهائن في الجوار ـ هو أن الرهائن الستة الذين قتلوا في رفح نهاية أغسطس، كانوا المجموعة التي احتفظ بها السنوار حوله طوال الحرب.. وهذا أمر منطقي!!.
إذا كان هذا صحيحًا، في رأي جيريمي، فإن الأسئلة ستثار حول سبب تسليمهم كدروع بشرية، في الوقت الذي كان فيه الجيش الإسرائيلي قريب نسبيًا ولكنهم لم يكونوا على وشك قتله.. أم أن شخص آخر ـ ربما شقيقه محمد السنوار، أو خالد مشعل، أو شخصية جديدة أقل شهرة لا تزال على قيد الحياة ـ سيتولى مصير الرهائن ويبقيهم على قيد الحياة من أجل المفاوضات؟.. إذا أبقت حماس الرهائن على قيد الحياة، فهل ستحاول الشخصية الجديدة التي تتحكم في مصيرهم قبول البقاء والطرد في مقابل الإفراج عن الرهائن؟ ـ على الرغم من معارضة السنوار الشديدة لهذا سابقُا ـ أم أنها ستتخذ خطًا مماثلًا للزعيم الذي تم اغتياله مؤخرًا، في محاولة لاستخدام الرهائن للحفاظ على حكم حماس في غزة، من خلال إجبار الجيش الإسرائيلي على الانسحاب؟.
ثانيا، حماس لم تُهزم حتى الآن، فهل ستنهار الآن بدون السنوار؟.. ربما لا.. فمن الناحية التاريخية، قتلت إسرائيل العديد من كبار قادة حماس، في المراحل التي كانت فيها المنظمة أصغر حجمًا، وكانت تنجح دائمًا في شق طريقها إلى الأمام، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن العديد من المجندين لديها على جميع المستويات، ملتزمون للغاية بهدفها المتمثل في مقاومة إسرائيل، بحيث يمكن استبدال أي شخص.. ومع ذلك، فإن مقتل السنوار يشكل ضربة قوية، من شأنها أن تضعف حماس بشكل كبير، حتى إلى ما هو أبعد من المستوى الذي وصلت إليه حتى هذه النقطة.. وهذا يرتبط بالنقطة الأخيرة، حول متى يكون نتنياهو مستعدًا لإعلان النصر؟.
لو كان ينتظر لحظة اللقطة، فهذه هي.. وقد يظهر نتنياهو المزيد من المرونة، بشأن من سيتولى إدارة غزة بعد ذلك، مستغلًا لحظة النصر هذه لأغراضه الإنتخابية.. ولكن إذا قرر رئيس الوزراء ـ إما لأسباب أيديولوجية أو بسبب مخاوف من الهجمات الانتخابية من جانب يمينييه ـ أنه يجب عليه إبقاء الحرب مستمرة، حتى يتمكن من تحقيق نوع من النهاية الغامضة لحماس في غزة سياسيًا، فإن الحرب قد تستمر لفترة أطول بكثير.. وعند هذه النقطة، قد يكون العامل التالي الذي قد ينهي الحرب، هو الرئيس الأمريكي القادم في يناير 2025، حيث قال كل من كامالا هاريس ودونالد ترامب، لأسباب مختلفة، إنهما يريدان إنهاء الحرب.. وسوف ينتظر نتنياهو الخطوة التالية من حماس في ما يتصل بالرهائن، ولكن بالمعنى الأوسع، فإن الخطوة التالية هي خطوته.
●●●
ومع كل ما حدث وسيحدث، فإن حركة حماس لا تزال تحتفظ بتسلسل تنظيمي فعال حتى بعد وفاة يحيى السنوار.. وفي حديثه مع صحيفة (معاريف)، أشار العميد (احتياط) أمير أفيفيه، رئيس مؤسسة (خبراء أمنيون)، إلى أنه يبدو أن شقيقه نشط للغاية ويدير الأمور.. لذا حتى لو تم القضاء على السنوار، ما لم يتم القضاء على شقيقه واثنين أو ثلاثة من الشخصيات المركزية الأخرى، فإن كسر الهيكل الهرمي لحماس سيكون صعبًا.. (لقد رأينا مع حزب الله، أنه حتى بعد اغتيال قيادته بالكامل، لم ينهار التنظيم.. ويرجع هذا جزئيًا، إلى أن القيادة موزعة على وحدات أصغر حجمًا تظل تعمل، وأيضًا بسبب الحماسة الإيديولوجية والدينية القوية التي تدفع هذه الفصائل).. أما السياق الإقليمي، فمن الصعب جدًا التنبؤ بكيفية تطور الأمور.. كما يرتبط الأمر بما يحدث في الشمال، مع ابتعاد حزب الله عن غزة وإظهاره استعدادًا لوقف إطلاق النار بشكل مستقل عن القطاع.. وهذا يزيد من عزلة حماس.. وفي الوقت نفسه، تتزايد الضغوط على الحوثيين وإيران، بعدما وجهت الولايات المتحدة أمس، ضربة للحوثيين بالقاذفة الشبحية B2، وكأنها تقول لطهران، نحن أقرب في الوصول إليك من الحوثيين في اليمن.
للوهلة الأولى، تبدو النتيجة الأخيرة في الصراع المستمر منذ ثلاثين عامًا، بين إسرائيل وحماس، مُدمرة لحركة المقاومة، وهي نتيجة تُلقي بمستقبلها موضع تساؤل.. ومع ذلك، فإن تاريخ حماس، وتطور جماعات المقاومة الفلسطينية على مدى عقود، ومنطق المقاومة على نطاق أوسع، تشير إلى أن حماس لن تنجو فحسب، بل قد تظهر أقوى سياسيًا.. ويرى المحللون والمراقبون الإقليميون الذين هم على اتصال بقادة حماس، أن الضربات الأخيرة التي تعرضت لها ـ بما في ذلك مقتل السنوار، وقبله إسماعيل هنية ـ تقدم لإسرائيل نصرًا قصير الأجل، على حساب النجاح الاستراتيجي على المدى الطويل.. و(بدلًا من خلق الانفصال الذي كانوا يأملون فيه، والذي من شأنه أن يجعل الناس خائفين أو مهزومين تمامًا، سيكون لهذا تأثير معاكس)، فلا تزال حماس تقاوم، ليس ذلك فحسب، بل تقوم بتجنيد مقاتلين جدد في غزة وخارجها.. وبدأ المقاومون في الظهور من جديد، في المناطق التي طردتهم منها إسرائيل قبل أشهر.. بالنسبة لحماس، فإن منطق المقاومة يعني، أن مجرد البقاء في مواجهة جيش أقوى بكثير، يوفر نصرًا رمزيًا.. ومع ذلك تأتي فرصة للبقاء في الميدان، التي تتجاوز أي ألم تسببت فيه إسرائيل.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق