التبادل الثقافي والتاريخي.. روابط متينة بين مصر والسعودية

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في أحد الأيام الشتوية من عام 1946، حطت طائرة الملك عبد العزيز آل سعود في العاصمة المصرية، لتبدأ رحلة تاريخية مهمة، رسمت ملامح علاقة ثقافية وسياسية بين مصر والسعودية، فكانت تلك الزيارة بداية فصل جديد في تاريخ العلاقات بين البلدين، حيث التقى الملك عبد العزيز بالملك فاروق الأول، معلنًا عن حقبة جديدة من التعاون والتفاهم بين الدولتين العربيتين الأكبر في الشرق الأوسط.

ومع مرور الزمن، أصبحت هذه العلاقة أكثر عمقًا وتشابكًا، ليس فقط على الصعيدين السياسي والاقتصادي، بل امتدت لتشمل الجانب الثقافي الذي أرسى دعائم التبادل المعرفي والحضاري بين البلدين، وكانت مكتبة الملك عبد العزيز العامة من أبرز الجهات التي ساهمت في تعزيز هذا التبادل، حيث أقامت جسورًا معرفية متينة مع العديد من المكتبات والمؤسسات الثقافية المصرية، مما ساعد في إثراء الفضاء الثقافي لكلا البلدين.

التبادل الثقافي والمعرفي

بداية، تشكل العلاقات الثقافية بين مصر والسعودية حالة نموذجية من التفاعل الحضاري، وقد برزت هذه العلاقات من خلال التعاون الوثيق بين مكتبة الملك عبد العزيز العامة والمكتبات المصرية الكبرى مثل مكتبة الإسكندرية ودار الكتب المصرية، وهذا التعاون لم يكن مجرد تبادل كتب ومخطوطات، بل امتد إلى إقامة فعاليات ثقافية، ومعارض، ودورات تدريبية للعاملين في المكتبات.

وعبر "الفهرس العربي الموحد"، الذي يعد من أبرز مشروعات مكتبة الملك عبد العزيز العامة، تم توحيد الجهود العربية في مجال الأرشفة والفهرسة، وكان للمكتبات المصرية دور بارز في هذا المشروع، إذ تم تدريب العاملين على المعايير الدولية الحديثة لضمان تقديم محتوى ثقافي عربي يساهم في نشر المعرفة وتنمية المجتمع العربي ككل.

التعاون في مجال الترجمة

ولعل من أبرز مظاهر التعاون الثقافي بين مصر والسعودية هو "جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة"، التي كانت ولا تزال منصة هامة لتكريم المترجمين والمفكرين من مختلف الدول العربية، بما في ذلك مصر، وقد فاز العديد من الباحثين المصريين بهذه الجائزة، مما يعكس حجم التقدير الذي توليه المملكة للإبداع الفكري والثقافي المصري.

بالإضافة إلى ذلك، فإن مكتبة الملك عبد العزيز العامة اهتمت بالكشف عن الوقائع الثقافية والتاريخية المصرية، من خلال إصدار الكتب وتحقيق المخطوطات، ومن الأمثلة على ذلك، اقتناء المكتبة لأول كتاب في علم الطبيعة تمت ترجمته في مصر وهو "الأزهار البديعة في علم الطبيعة" الذي صدر عام 1871م.​

العلاقات المصرية السعودية.. تاريخ طويل وتعاون راسخ وركيزة لاستقرار المنطقة | مبتدا

الزيارات الملكية والروابط التاريخية

وتعود العلاقة بين مصر والسعودية إلى ما قبل تأسيس المملكة العربية السعودية في عام 1932، لكن الزيارات الرسمية كانت البداية الحقيقية لترسيخ هذه الروابط، فكانت زيارة الملك عبد العزيز آل سعود إلى مصر في يناير 1946 من أبرز المحطات، حيث استقبله الشعب المصري بحفاوة بالغة، وتلك الزيارة لم تكن مجرد حدث سياسي، بل كانت تأكيدًا على الروابط الأخوية بين البلدين.

ولم تتوقف الزيارات عند هذا الحد، فقد شهدت العلاقات المزيد من التطورات مع توالي لقاءات القادة، سواء في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز خلال حرب أكتوبر 1973، حيث استخدمت السعودية سلاح النفط لدعم مصر في حربها ضد إسرائيل، أو في فترة حكم الملك سلمان بن عبد العزيز، التي شهدت تعزيز التعاون في جميع المجالات، وخاصة الاقتصادية والثقافية.

التعليم وتبادل الخبرات الأكاديمية

ولطالما كانت مصر وجهة للطلاب السعوديين الباحثين عن التعليم في الجامعات المصرية، فمنذ عام 1927، حينما أمر الملك عبد العزيز بإيفاد أول دفعة دراسية إلى مصر، استمر هذا التعاون الأكاديمي في النمو، حتى بلغ عدد الطلاب السعوديين في مصر حوالي 2220 طالبًا في مختلف التخصصات.

وعلى الجانب الآخر، تأسست جامعة الملك سلمان الدولية في مصر كجزء من برنامج خادم الحرمين الشريفين لتنمية شبه جزيرة سيناء، مما يعد إنجازًا تعليميًا كبيرًا يعكس حجم التعاون بين البلدين في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق