حرب يوم القيامة

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الأربعاء 09/أكتوبر/2024 - 07:52 ص 10/9/2024 7:52:40 AM

   تندفع كرة الثلج المتوحشة التي خلقها جبروت الإرهاب الصهيوني المُنفلت، ورعتها غطرسة القوة الباطشة التي لم تجد مَن يردعها، فازدادت استشراسًا ودموية، فلم تكتفِ بامتصاص دماء الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والعراقيين واليمنيين.. إلخ، وإنما امتد خطرها الداهم إلى حدود مفتوحة لا سقف لها، وكيف لا؟ أو لم يعلن "نتنياهو" ـ دون أن يوقفه مُعترضٌ ـ أن يد الكيان الصهيوني المُنتقمة قادرة على الوصول إلى حيث تريد، وأنهم عازمون ـ رغم أنف مئات الملايين من سُكَّان الشرق الأوسط، على أن يُغَيِّروا خرائطهم الموروثة من مئات السنين، إن لم يكن آلافها، بمشيئة "بلطجي" هذا العصر الإسرائيلي، لكي يُناسب الوضع المُزري المُحدد لهم؟، وآخر تأكيد على هذا التوجُّه هو رسالة الأمر والوعيد، التي وجَّهها "نتنياهو" يوم الثلاثاء 8 أكتوبر، عبر الفيديو، والتي هدَّدَ فيها شعب لبنان من أنه سيواجه «دمارًا ومعاناة» أشبه بما يواجهه الفلسطينيون في قطاع غزة، إذا لم «يحرّر» بلده من "حزب الله"، حسب تعبيره"، مُنذرًا إياهم: «لديكم فرصة لإنقاذ لبنان قبل أن يقع في هاوية حرب طويلة الأمد، ستؤدي إلى دمار ومعاناة أشبه بما نشهده في غزة»!
    وفي السياق نفسه، لا يجب أن يمر علينا مرور الكرام، الدلالة الخطيرة  لتوجٌّه "نتنياهو" إلى مواطنيه، بمناسبة مرور عام على عملية "طوفان الأقصى"، بقرار تغيير اسم حرب الإبادة المُستمرة، طوال العام الفائت، من "السيوف الحديدية" إلى "حرب يوم القيامة"!
    فـ "حرب يوم القيامة" أو "حرب جوج ومأجوج" هي مفهوم يرتبط بأحداث النهاية في التقاليد الدينية، بما في ذلك التوراة والتراث اليهودي، ويُشار إلى "حرب جوج وماجوج" في نصوص التوراة كمواجهة نهائية بين قوى الخير والشر، حيث يقود "جوج" أمة ضد إسرائيل أو قوى الله، وقد ذُكرت هذه الحرب بشكل خاص في سفر حزقيال، (الإصحاحات 38 و39)، حيث يُنبئ عن هجوم "جوج" على أرض "ماجوج" ويُصوَّر هذا الهجوم كتهديد لإسرائيل، باعتبار أن هذا التهديد جزءًا من الأحداث التي تسبق ظهور "المسيا".
     الكهنة والمتشددون هذه الحرب، التي ستتسم بعلامات مُميزة، باعتبارها تَدَخُّلًا إلهيًا واضحًا، ويرون فيها تجسيدًا للصراع النهائي، الذي سيؤدي إلى تحقيق العدالة الإلهية وإقامة مملكة الله على الأرض.
    وينظر المُفسرون الأصوليون اليهود لهذه الحرب المدَّعاة، "حرب جوج وماجوج"، كرمز للصراعات الكبرى التي تواجهها البشرية، وكيف يمكن أن تؤدي هذه الصراعات إلى تجديد روحي أو تحوّل نفسي يُمهد لمقدم "المسيا"، الذي سيكون مجيئه مُصاحبًا لهذه الحرب، وحيث سيتمكن من تحقيق السلام النهائي بعد الصراع.
    وفي التراث الديني اليهودي، يُوصف "المسيا" بأنه سيكون من نسل "الملك داود"، وينتظرون مجيئه المواكب لأحداث مثل "حرب جوج وماجوج"، بما يُبشٍّر بتجميع الشتات اليهودي، وإعادة بناء الهيكل في القدس.
    والخلاصة فإن مفهوم "حرب يوم القيامة"، يمثل رؤية يهودية أصولية مُتَشَدِّدة، للصراع النهائي الذي يؤدي إلى تحقيق العدالة الإلهية (المُتوافقة مع الغايات المُتطرفة للعنصريين الصهاينة)، وتُعتبر جزءًا مهمًا من العقيدة اليهودية حول نهاية الزمان ومجيء "المسيا".
    ونظرًا لكون صُنَّاع وقادة الكيان الصهيوني لم يُعرف عنهم تديُّنًا أو إيمانًا بالادعاءات الدينية اليهودية،  االتي استُخدمت، "برجماتيًا"، دعمًا لاغتصاب الأرض الفلسطينية وفكرة الكيان، فمن المفهوم بالطبع أن هذا المنحي الديني المُتطرف، الذي يلجأ "نتنياهو" إلي توظيفه سياسيًا، يأتي لمداهنة التيار اليهودي الأصولي، ومٌغازلة الحاخامات المهووسين بأساطيرهم، واستجابةً لابتزاز ممثليهم في القيادة الصهيونية: "بن غفير" و"بتسلئيل سموتريش" و"عميحاي إلياهو"، ومن لفَّ لفهم، وحرصًا على استرضائهم، باعتبارهم "رُمَّانة الميزان" القادرة على الإطاحة به وبإتلافه السياسي الهش، أو على مُساندته وقت الحساب بعد انتهاء الحرب، إن استجاب لمطالبهم!
    ولكل ذلك ينبغي الحذر، فـ "نتنياهو" اعتبر الحرب الراهنة: "حرب القيامة  لضمان عدم تكرار السابع من أكتوبر"، وبَشَّر بها باعتبارها "حرب من أجل وجودنا"، وربط بينها وبين "تغيير الواقع الأمني في منطقتنا"، ولم يتوان أركان إدارته وحربه عن دق طبول المحرقة النووية أو أداة "حرب يوم القيامة"، وقد رد "مسؤول أمريكي كبير"، رفض التصريح بذكر اسمه، على سؤال لشبكة (C.N.N.)، بأن "إسرائيل": "لم تُقدم ضمانات لإدارة "جو بايدن" بأن استهداف المُنشآت النووية الإيرانية "غير وارد"! 
    ورغم ادِّعاء الإدارة الأمريكية بأنها لا توافق على توسيع نطاق الحرب الدائرة على قدم وساق، فالمؤكد أنها ستغض الطرف عن العدوان الإسرائيلي القادم على إيران، أيًا كانت حدوده، بل وستكون سعيدة، لو نجحت اسرائيل في تحقيق غايتها المُعلنة: تدمير الجهد النووىي الإيراني قبل امتلاك القنبلة رسميًا، فهي رغم أية انتقادات شكلية لسياسات "نتنياهو"، إذ رغم رأي "بايدن" في "نتنياهو": «الوغد والكذّاب اللعين»، الذي أورده الكاتب الصحفي الأمريكي الشهير «بوب ودورد»، في كتابه الصادر حديثا تحت عنوان "حرب"، لم تتوقف أمريكا للحظة عن إمداد جيش "الوغد اللعين" بالعتاد والسلاح، والدعم العسكري، والاقتصادي، والسياسي غير المحدود!
******
    يقولون في المثل المصري الدارج: "يافرعون إيه فرعنك؟" ويجاوبون: "مالقيتش حد يلمني!"، وهو مَثَل بليغ يعكس الحال والمآل، فالصمت والهوان، والتواطؤ والتدليس، من أطراف لا نهاية لها، أجنبية وعربية، والاستخذاء والتراجع أمام زحف البربرية الصهيونية، كان من المُحتَّم أن يقود إلى هذا المأزق الذي يُنذر بالكارثة، أو لنقل كان يُمهد لاندلاع نيران "المحرقة" الراهنة والقادمة التي لن تُبقي ولن تذر، ولن يكون أحد بمنجاة من عواقبها الوخيمة، ما دامت طبول الانتقام تُدَوِّي وسطنا، والعالم اللاهي ينظر بتآمر أو ببلاهة، دون أن يتحرك لتفادي النتائج المُدمرة المنظورة، أو يعمل على وقف تدحرجنا مع انحدار الكرة القاتلة باتجاه الهاوية!