تعزيز الحضور المصرى.. أهداف القمة الثلاثية بين مصر ودول القرن الإفريقى

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

على الرغم من تركز بؤرة الاهتمام بشأن التطورات على الساحة الإقليمية، لاسيما التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد غزة ولبنان والضربة الإسرائيلية المحتملة ضد إیران والجهود المكثفة التي تبذلها الدولة المصرية لاحتواء التصعيد وعدم اشتعال حرب إقليمية بالمنطقة، إلا أن هناك حرصًا من جانب القيادة السياسية المصرية على مواصلة الاهتمام بالتطورات التي تحدث في إقليم القرن الإفريقي والانخراط النشط وتعزيز أواصر التعاون بين مصر ودول الإقليم، وهو ما يتم ترجمته من خلال حضور قمة ثلاثية يوم الخميس الموافق العاشر من أكتوبر ٢٠١٦ في عاصمة إريتريا أسمرة تجمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الإريتري أسياس أفورقي والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود وذلك لتعزيز العلاقات بين الدول الثلاث.

ـ السياق المصاحب لانعقاد القمة

تأتى الزيارة الرسمية التي يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى العاصمة الإريترية أسمرة في ظل توقيت بالغ الأهمية؛ إذ تتصاعد فيه التوترات في أعقاب قيام إثيوبيا بتوقيع اتفاقية مع إقليم أرض الصومال الانفصالي مطلع العام الجاري، وبموجب هذه الاتفاقية ستتمكن إثيوبيا من استخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر الأغراض تجارية وعسكرية، وهو ما أثار غضب الدولة الصومالية، وكذلك الدولة المصرية، حيث تهدد هذه الاتفاقية وحدة وسلامة الأراضي الصومالية. 

لذا، نجد أن تقارب الرؤى بين مصر والصومال. أدى إلى تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، وهو ما تم ترجمته بتوقيع اتفاق دفاع مشترك بين مصر والصومال في أغسطس ٢٠٢٤، إلى جانب وصول معدات عسكرية مصرية للعاصمة الصومالية مقديشو وتخطط مصر إلى إرسال 10 آلاف جندي، 5 آلاف منهم بموجب الاتفاق الثنائي مع الصومال و5 آلاف آخرين للمشاركة في بعثة حفظ السلام الإفريقية التي ستخلف البعثة الحالية التي تشكل القوات الإثيوبية الجزء الأكبر منها. ولم تعد ترغب الصومال في وجودها، لذا نجد أن هذه التحركات المصرية النشطة في المنطقة، قد عارضتها إثيوبيا التي تنظر إلى أن هذه التحركات المصرية تضر بالمصالح الإثيوبية.

اتصالا بما سبق ذكره. نجد أن الزيارة الرسمية التي يقوم بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإريتريا، قد سبقها قيام رئيس المخابرات العامة المصرية عباس كامل. ووزير الخارجية بدر عبد العاطي، منتصف شهر سبتمبر الماضي بنقل رسالة من جانب الرئيس المصري إلى نظيره الإريتري اسياس أفورقي، تناولت سبل دعم وتطوير العلاقات الثنائية ومتابعة التطورات في المنطقة، وهو ما يبرهن على الحرص المصري على فتح قنوات التواصل مع دول القرن الإفريقي والعمل على تقريب وجهات النظر بشأن كافة الملفات المتعلقة بالأمن الإقليمي في المنطقة. 

علاوة على هذه التحركات المصرية النشطة، قام وزراء خارجية الدول الثلاث مصر والصومال وإريتريا، بعقد اجتماعًا ثلاثيًا في ۲۳ سبتمبر ۲۰۲٤ في نيويورك على هامش مشاركتهم في أعمال الدورة ٧٩ للجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك لتنسيق والتعاون بشكل وثيق في القضايا ذات الاهتمام المشترك خلال المرحلة المقبلة بما يصب في مصلحة الشعوب الثلاثة.

ـ هندسة تحالف إقليمي جديد

إن التحالف بين مصر وإريتريا والصومال، لم يكن وليد اللحظة؛ إذ يمكن ملاحظة أن هناك تقاربا ملحوظا قد نشأ بين الدول الثلاث منذ مطلع العام الجارى، وهو ما يمكن رصده من خلال عدد من المؤشرات، والتي يمكن استعراضها، وذلك على النحو التالي:

 التقارب المصري - الصومالي: تم اتخاذ خطوات مهمة في سبيل تعزيز التقارب بين مصر والصومال، وهو ما اتضح في الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لمصر في العشرين من يناير ۲۰۲٤، وكذلك الزيارة الرسمية في أغسطس ٢٠٢٤، وتساهم هذه الزيارات في تبادل الآراء حيال القضايا ذات الاهتمام المشترك، لا سيما الاتفاق الإثيوبي مع إقليم أرض الصومال: إذ حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من المساس بمصالح الصومال، كما شددت القيادة المصرية على الدعم المصري لسيادة ووحدة الأراضي الصومالية.

 التقارب المصري - الإريتري: اتضح للقيادة السياسية في إريتريا أن إثيوبيا تنتهج سياسة ليست في صالح إريتريا، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال رفض إريتريا اتفاق "بريتوريا" الذي وقعته إثيوبيا مع جبهة التيجراي في نوفمبر ۲۰۲۲ لوقف الحرب. 

حيث تم استبعاد إريتريا من الانخراط في هذا الاتفاق على الرغم من الدعم الإريتري للحرب الإثيوبية ضد جبهة التيجراي، بالإضافة إلى قيام إثيوبيا بتوقيع اتفاقية مع إقليم أرض الصومال، والذي ترجمته إريتريا باعتباره أنه لن يات فقط على حساب موانئها التي تستخدمها إثيوبيا في عملية التصدير "مصوع" و"عصب"، بل أيضًا - وهذا هو الأهم تخشى من إمكانية قيام أبي أحمد بمحاولة الاستيلاء على ميناء عصب في ظل طموحاته التوسعية.

وفى ضوء هذه التفاعلات، نجد أن إريتريا عملت على توثيق علاقاتها بالدولة المصرية، فقد قام الرئيس الإريتري أسياس أفورقي بزيارة رسمية لمصر في الرابع والعشرين من فبراير ٢٠٢٤، ساهمت في تعزيز العلاقات الثنائية، وبحث التعاون في مختلف المجالات كما نجد أن رغبة مصرية لتعزيز العلاقات مع إريتريا على كافة الأصعدة، فعلى المستوى الدبلوماسي، هناك حرص من جانب قادة البلدين لتبادل الزيارات الرسمية رفيعة المستوى، كما هناك توافق في الرؤى حيال القضايا الإقليمية، علاوة على ذلك، هناك حرص من البلدين لترسيخ شراكة مستدامة لتنفيذ عدد من المشروعات الاستراتيجية في عدة قطاعات منها حفر الآبار ومشروعات إنشاء السدود وتخزين مياه الأمطار واستخدام تكنولوجيا الصوبات الزراعية، وكذلك مجال التصنيع الدوائي.

ـ أهداف القمة الثلاثية

تأنى القمة المصرية الإريترية الصومالية لتحقيق جملة من الأهداف التي من شأنها تؤدى إلى تقريب وجهات النظر حيال عدد من الملفات الإقليمية محل الاهتمام المشترك.

والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:

بناء رؤية مشتركة حيال القضايا الإقليمية

 تشهد منطقة القرن الإفريقي العديد من الحروب والصراعات، ولذا نجد أن هناك توافقا بشأن دعم استقرار الصومال، وعدم المساس بالسياسة الصومالية، والرفض المطلق لمذكرة التفاهم المشتركة بين إثيوبيا ومنطقة أرض الصومال: نظرا لمخالفة المذكرة كل المواثيق والقوانين الدولية. وكذلك هناك توافق بشأن خطورة السياسات الأحادية عند القيام بمشروعات على الأنهار الدولية، وحتمية الالتزام بمبدأ التعاون والتشاور المسبق بين الدول المشاطئة، لضمان عدم التسبب في ضرر لأي منها، اتسافًا مع قواعد القانون الدولي ذات الصلة، ومن لم ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم، حول ملء وتشغيل سد النهضة.

 التنسيق الأمني: 

لا شك أن التعاون بين مصر والصومال وإريتريا، سينعكس بشكل إيجابي على مواجهة التحديات الأمنية، وذلك في ضوء تزايد هجمات حركة الشباب الإرهابية، ولذا فالتعاون بين البلدان الثلاثة سيساهم في بناء قدرات الأجهزة الأمنية. بحيث تكون قادرة على مجابهة التحديات الأمنية. كما يمكن في هذا الصدد استفادة إريتريا والصومال من التجربة المصرية في محاربة الإرهاب التي لا تقتصر فقط على الجانب الأمني، إذ تتبنى مصر مقاربة شاملة لمحاربة الإرهاب ترتكز على معالجة جذور الظاهرة، وتنشط مؤسسة الأزهر في هذا المجال: إذ تعمل المؤسسة على نشر مبادئ الإسلام الصحيحة، ودحض الأفكار المتطرفة.

أمن البحر الأحمر: 

يمثل أمن البحر الأحمر مسألة هامة في ضوء تزايد التوترات في ضوء عمليات القرصنة التي تهدد الملاحة في البحر الأحمر بسبب هجمات جماعة "الحوثي". ونجد أن هناك توافقا بين الدول الثلاث على التأكيد على مسئولية الدول المشاطئة عند صياغة كافة السياسات الخاصة بذلك الممر المائي بالغ الحيوية من منظور متكامل يأخذ في الاعتبار مختلف الجوانب التنموية والاقتصادية والأمنية. ويسهم التقارب في الرؤى حيال هذا الملف في تعزيز الأمن والاستقرار وحماية التجارة وحركة الملاحة بهذه المنطقة، والحيلولة دون سيطرة الجماعات الإرهابية على الممرات الملاحية وتهديد أمن الطاقة والتصدي لأية محاولة من أطراف من خارج الإقليم لفرض رؤيتها على المنطقة.

 ويمكن القول إن إقليم القرن الأفريقي يشهد تحولات نوعية تعيد تشكيل ملامحه الجيوسياسية، وهو ما تبلور في تدشين تحالف استراتيجي بين مصر والصومال وإريتريا، وهو ما سيساهم في التنسيق والتشاور بشأن التحديات المشتركة، وذلك استنادًا على عدد من المبادئ والتي تتمحور حول الاحترام المتبادل وحسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية، وحل النزاعات بالطرق السلمية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق