هي اللسان لمن اراد فصاحة من القائل وعن ماذا يتحدث

إن عالم الأدب العربي وخاصةً الجانب الشعري منه يذخر بكمٍ كبير من الشعراء المميزين الذين خطّت أناملهم زمرة من الأعمال التي لا يزال صداها يجول الأرجاء حتى الآن، حتى ما مضى عليها مئات السنين، ومن بين تلك الثمار سوف نشير إلى القصيدة التي ورد فيها هي اللسان لمن اراد فصاحة ونتعرف على قائلها.

هي اللسان لمن اراد فصاحة من القائل

الكثير من الأعمال الأدبية خاصةً من الأدب العربي القديم انتشرت بين الناس بقوة آنذاك وها هي تعود من جديد إلى الأجيال الحالية بنفس ذات القوة، ومن بين الأبيات التي ينطبق عليها هذا الحديث هو ما يتضمن “هي اللسان لمن أراد فصاحة”.

إذ لا يعرف الكثيرون أن هذا البيت واحد من قصيدة كاملة تتألف من أبياتٍ سبعة تُسمى “من كان يملك درهمين تعلمت”، وهي ما كتبها واحد من كوكبة شعراء العصر العباسي وهو أبو العيناء، والتي نعرضها كاملة على النحو الآتي:

مَنْ كَانَ يَمْلِكُ دِرْهَمَيْنِ تَعَلَّمَتْ

شَفَتاهُ أَنْواعَ الكَلامِ فَقَالا

وَتَقَدَّمَ الفُصَحاءُ فَاسْتَمَعوا له

وَرَأَيْتَهُ بَيْنَ الوَرى مُخْتالا

لولا دَراهِمُهُ الَّتي فِي كِيسِهِ

لَرَأَيْتَهُ شَرَّ البَرِيَّةِ حالا

إِنَّ الغَنيَّ إِذا تَكَلَّمَ كَاذِباً

قَالوا صَدَقْتَ وَما نَطَقْتَ مُحالا

وَإِذا الفقيرُ أَصابَ قالوا لَمْ تُصِبْ

وَكَذَبْتَ يا هذا وَقُلْتَ ضلالا

إِنَّ الدَّراهِمَ فِي المَواطِنِ كُلّها

تَكْسُو الرِّجَالَ مَهابَةً وجَلالا

فَهْيَ اللِّسانُ لِمنْ أَرادَ فَصاحةً

وَهْيَ السِّلاحُ لِمَنْ أَرادَ قِتالا

شرح قصيدة من كان يملك درهمين تعلمت

إن قصيدة “من كان يملك درهمين تعلمت” تعتبر واحدة من أقوى القصائد التي كتبها أبو العيناء بشكلٍ خاص ومما ضمّته المكتبة العربية على رفوف الشعر على وجهٍ عام؛ وأهم ما يميزها بساطتها التي تجعل القارئ يفهمها دون عناء.

إذ يصف أبو العيناء الكارثة الحقيقية التي تحدث من وراء ربط المال والغِنى بالثقافة والفصاحة، بل إن بسببه ينال المرء هيبة لو فقد ماله لفقدها معها على الفور، فمما قاله إن من امتلك درهمين “كناية عن المال باختلاف قدره” سرعان ما تمكّن لسانه من نطق الكلام أي أنه يمتلك الجرأة للحديث ولو كان فيما يجهل.

وينتقل إلى المنافقين الذين ولو كانوا من فصحاء اللسان أي أنهم خير من يعلم أن حديثه ما هو إلا هراء لنافقوه، على عكس الفقير الذي وإن كان قوله صائبًا لكذبوه واتهموه بالضلال.

من هو الشاعر أبو العيناء

جدير بنا أن نسلط الضوء سريعًا على الشاعر المُبدع أبي العيناء أو هكذا اسم شهرته بينما اسمه الحقيقي هو؛ محمد بم القاسم بن خلاد بن ياسر الهاشمي، هو من أفصح شعراء العصر العباسي، وتميز بأنه خفيف الظل ودائم طرح اللطائف، مع امتلاكه الحكمة وسرعة البديهة التي كانت تظهر على سرعة أجوبته.

من قصائد أبي العيناء

من الجدير بالذكر أن أبي العيناء له من القصائد الشعرية ما يزيد عن العشرة وهي ما نعرض من بينها الآتي:

• أحارث بن عمر وقد وليت ولاية.
• إذا رضيت عني كرام عشيرتي.
• ألم تعلمي يا عمرك الله أنني.
• وما كيس في الناس يحمد رأيه.
• يا بدر ليل توسط الفلكا.

دائمًا وأبدًا سيظل عالم الشعر العربي من أقوى عوالم الأدب الذي تمكن المنتمون إليه من ترسيخ أسمائهم وحفرها على جدرانه بقوة، وهذا ما يتضح جليًا من الأعمال التي فاقت حدود الإبداع والتميز خاصةً في العصور القديمة مثلما برع شعراء العصر العباسي، وبالتأكيد خير دليل على ذلك ما أشرنا إليه بحديثنا عن أبي العيناء