نظرية المحاكاة والتقليد.. ما هو مفهوم المحاكاة؟

هناك الكثير من النظريات التي يتم طرحها وتداولها، مع العمل على فهمها الذي يساعد على الخروج من نسق إلى آخر وإعادة صياغتها واستثمارها وأيضًا التدليل بها، ومن بين تلك النظريات نظرية المحاكاة والتقليد الذي يتم التعرف عليها بشكل تفصيلي من خلال هذا المقال.

نظرية المحاكاة والتقليد

إن فكرة المحاكاة صدرت عن فلسفة أفلاطون في كتابه المدينة الفاضلة وكتاب فن الشعر لأرسطو، وذلك لكي تتحول الفكرة الفلسفية إلى نظرية، ولذلك يجب معرفة معنى المحاكاة وأهم ما ذُكر بها.

الجدير بالذكر أن لفظة المحاكاة ظهرت في الفلسفة والفكر اليوناني القديم، حيث إن لفظة المحاكاة اتخذت حيز كبير في دراسة المفكرين والفلاسفة، فأفلاطون يرى أن المحاكاة مثل الشعر يقف أمام مرآة ويعكس الواقع، كما أنه هناك منهم من ربط المحاكاة بالنسخ والتقليد.

المحاكاة لغةً واصطلاحًا

من خلال التعرف على نظرية المحاكاة والتقليد نذكر أنه يمكن التعرف على المحاكة لغةً واصطلاحًا من خلال الآتي:

1- المعنى اللغوي للمحاكاة

إن المحاكاة في اللغة العربية مصدر وفعله حكى والتي تعني المشابهة في الفعل والقول، حيث يُقال حكوت الحديث أي نقلته، وحاكيت شخصًا أي فعلت فعلًا مشابه لفعله، ويُذكر أن لفظة محاكاة وردت في المعاجم الأجنبية مرادفًا لكلمة التقليد.

2- المعنى الاصطلاحي للمحاكاة

أما عن المعنى الاصطلاحي للمحاكاة فهو نقل وتطوير العمل الفني وذلك بشكل دقيق يتميز بالحيوية والابتكار بشكل مبدع خلَّاق متميز يكون بعيدًا كل البعد عن النسخ.

المحاكاة عند الفلاسفة اليونان

استكمالًا للتعرف على نظرية المحاكاة والتقليد نذكر أن مفهوم المحاكاة عند الفلاسفة اليونان قام على مبدأ أن كل ما في الواقع تقليدًا لما هو موجود في عالم المُثل، وكان من أبرز الفلاسفة اليونان الذين ظهر عندهم تلك النظرية ما يلي:

1- المحاكاة عند أفلاطون

ظهرت نظرية المحاكاة عند أفلاطون في الأدب على أنها جوهر الفن، حيث قال أفلاطون إن المحاكاة تبعد عن الأصل بثلاث درجات، وأنه كلما ابتعدنا درجة ازداد بعد الحقيقة عن الأصل رويدًا رويدًا.

الأهم من ذلك أن آراء أفلاطون تمركزت حول سؤالين كانا ما جوهر الفن الشعري؟ ما وظيفته في الحياة الإنسانية؟

2- المحاكاة عند أرسطو

توارث مصطلح المحاكاة من أفلاطون إلى تلميذه أرسطو، لكن كان له معنى مختلف نتيجة اختلاف النظرة الفلسفية لكلٍ منهما، حيث إن أرسطو كان له نزعة علمية تجريبية، أما عن أفلاطون فكان له نزعة صوفية غائية.

الأهم من ذلك أن أرسطو نظر إلى الشعر على أنه محاكاة للطبيعة وليس محاكاة لعالم عقلي، حيث كانت المحاكاة في الأدب عند أرسطو تقوم على إرجاع الفنون بشكل أجمع إلى أصل فلسفي واحد وهو محاكاة الحياة الطبيعية.

كما أن أرسطو عمل على إعادة الشعر إلى غريزتين إنسانيتين كانا التناغم والإيقاع والأوزان، وغريزة التقليد.

المحاكاة عند الفلاسفة العرب

وصولًا إلى معرفة نظرية المحاكاة والتقليد نذكر أن الفلاسفة العرب استعاروا نظرية المحاكاة من اليونان لكنها تواجدت بطابع يبعد كل البعد عن الأساطير والخرافات والنظرة الوثنية، بل إنها اقتربت للعقل والمنطق.

حيث إن المحاكاة أصبحت انعكاسًا لما في الأذهان من صور يرجع إلى ما تم رؤيته بالعين، ولذلك ظل هناك ثلاثة درجات للمحاكاة لكن بشكل منطقي يبعد عن الطابع الوثني، ونذكر من الفلاسفة العرب الذين اهتموا بتلك النظرية ما يلي:

1- المحاكاة عند الفارابي

كانت نظرية المحاكاة عند الفارابي متصلًا بكل ما يخص الإنسان من أحداث وأفعال وسلوكيات جسدية ونفسية، حيث إن المحاكاة في الأدب والشعر عنده كانت لها نوعين مباشر وغير مباشر، وعمل على توضيح الفرق بينهما من خلال أمثلة واقعية نتج عنها أن المحاكاة تعد تصويرًا وليست تقليدًا.

2- المحاكاة عند ابن سينا

عمل ابن سينا على الاتجاه بنظرية المحاكاة إلى أن المحاكاة في الشعر المغنى تكون في الكلام واللحن واللفظ والوزن، كما أن آراءه اتجهت إلى أن المحاكاة تعمل على تقديم الشبيه للشيء ولا يتم نقل الشيء نفسه كما هو.

3- المحاكاة عند ابن رشد

قام الفيلسوف ابن رشد بالابتعاد عن التخيلات وعمل على الاتجاه إلى العقلانية في الأدب وفي الشعر بشكل خاص، حيث إنه اتجه بالنظرية إلى ما هو موجود ليس ما يمكن أن يكون موجودًا، فقد رأى أن المحاكاة هدفها العقل وليس التخييل.

في نهاية الوصول إلى معرفة نظرية المحاكاة والتقليد نرى أن تلك النظرية ظهرت ملامحها في الأدب منذ أن قال أفلاطون إن الشعر فن يقوم على التقليد، ولذلك اهتك الكثير من الأدباء بتلك الجزئية، وذلك لأن الأدب هو ما ينقل الواقع بشكل موثوق أكثر.