شرح تفصيلي للمحسنات البديعية في قصيدة أراك عصي الدمع

إن قصيدة “أراك عصي الدمع” للشاعر أبي فراس الحمداني هي إحدى أروع القصائد التي وصلت إلينا من العصر العباسي ،في هذه القصيدة، يصور الشاعر حالته النفسية والشعورية تجاه غلمان الحرب الذين يواجهون الموت دون خوف أو وجل. كما يعكس الشاعر في قصيدته إحساسه بالغربة والوحدة في خضم هذا الصراع الدامي؛ وتعد هذه القصيدة من أبرز نماذج الشعر العربي التي تناولت موضوع الحرب والقتال بعمق وإحساس مرهف.

مناسبة قصيدة أراك عصي الدمع

لا يوجد قصيدة لابو فراس الحمداني إلا وكان له سبب؛ بل وكان له الكثير من القصائد التي ألفها في السجن بفترة اعتقاله وكان من ضمنها قصيدة “أراك عصي الدمع” حيث عكست معاناته وما وجده من الحزن والألم داخل الزنازين الرومانية منتظرًا تحرك ابن عمه “سيف الدولة الحمداني” ليمد له يد العون وينقذه من بين براثن أعدائهم من الرومان.

انطلى مكر الوشاة على أمير الدولة الحمدانية “سيف الدولة الحمداني” وترك بطلنا “الحارث بن سعيد بن حمدان” وهو “ابو فراس الحمداني” شابا اسيرا بيه يدي الروم في القسطنطينية عندما خوفه الوشاة والحاقدين منه وقالوا لسيف الدولة أن ابو فراس يطمع بالحكم.

المحسنات البديعية في قصيدة اراك عصي الدمع

استخدم أبو فراس الحمداني العديد من المحسنات البديعية في قصيدته “اراك عصي الدمع” ومن هذه المحسنات:

• الطباق وهو ذكر الكلمة وضدها كما انه عى نوعان “طباق سلب – طباق إيجاب” وتتمثل في التالي:

1. أما للهوى نهي عليك ولا أمر (نهي وأمر)
2. ولا راح يطغيني بأثواب الغنى**ولا بات يثنين عن الكرم الفقر (الغنى والفقر)
3. وتهلك بين الهزل والجد مهجة**إذا ما عداها البين هذبها الهجر (الهزل والجد)

• رد الصدر عن العجز وهو أن يكرر الشاعر نفس اللفظ في ذات المعنى بالبيت نفسه.
• الجناس وهو أن يتشابه لفظات في ذات النطق.
• السجع ومعنى السجع هو مطابقة وتوافق الفاصلتين في الحرف الأخير

ابيات من قصيدة اراك عصي الدمع

بلغت عدد أبيات “أراك عصي الدمع” 54 بيتًا سنتناول معًا أول بعض الأبيات التي وردت في اول القصيدة:

أَراكَ عَصِيَّ الدَمعِ شيمَتُكَ الصَبرُ              أَما لِلهَوى نَهيٌ عَلَيكَ وَلا أَمرُ

بَلى أَنا مُشتاقٌ وَعِندِيَ لَوعَةٌ                      وَلَكِنَّ مِثلي لايُذاعُ لَهُ سِرُّ

إِذا اللَيلُ أَضواني بَسَطتُ يَدَ الهَوى             وَأَذلَلتُ دَمعاً مِن خَلائِقِهِ الكِبرُ

تَكادُ تُضيءُ النارُ بَينَ جَوانِحي                 إِذا هِيَ أَذكَتها الصَبابَةُ وَالفِكرُ

مُعَلِّلَتي بِالوَصلِ وَالمَوتُ دونَهُ                  إِذا مِتَّ ظَمآناً فَلا نَزَلَ القَطرُ

عودة قصيدة اراك عصي الدمع للحياة

وبعد ما مرت الأزمان على قصيدة “أراك عصي الدمع” وأصبحت كما تُقال في الشارع الدارج “مليئة بالتراب”، قام الملحن “رياض السنباطي” في عام 1965 بتلحينها على مقام العجم لتغنيها الفنانة الكبيرة “أم كلثوم” لتتردد صداها حتى يومنا هذا للحفاظ على عراقتة لغتنا.

 تختتم قصيدة “أراك عصي الدمع” للشاعر أبي فراس الحمداني بمشاعر مختلطة من الفخر والحسرة، فقد نجح الشاعر في التعبير عن إعجابه وإكبار شجاعة وبسالة أصحابه في مواجهة الموت، معتبرًا إياهم أعز وأحب الناس إليه؛ ولكن في الوقت نفسه، يظهر شعوره بالوحدة والغربة وأسفه على ما آلت إليه الأمور في ظل صراعات الحروب. وتبقى هذه القصيدة شاهدًا على عظمة الشاعر وعمق إحساسه، وكذلك على جوانب الحياة والموت التي واجهتها الشخصية العربية في تلك الفترة.